السبت، 18 فبراير 2017

هل الأدب في خطر؟

                                هل الأدب في خطر؟
                                                                            ذ. رشيد سكري  
  
        لمساءلة الأدب ، لابد أن نعود إلى التاريخ الأدبي ؛ حيث الحتمية التاريخية هي التي تغلف الدرس الأدبي ، وتكشف عنه وعن أهم إبدالاته وجدواه . فالمناهج التي عولج بها الأدب لا تقوم لها قائمة من دون التاريخ الأدبي . وسعيا لملامسة مدى أهمية المناهج الحديثة ،التي  تناولت السيرورة الأدبية ، سنجد حنا الفاخوري في كتابه " تاريخ الأدب العربي" ؛ العمل الذي أغنى المكتبة العربية بثوابت و أصول معرفية حقيقية ، انطلاقا من العصر الجاهلي ، فالأموي ، مرورا بالعباسي في الشرق، و إلى حدود عصر النهضة مع البارودي و جرجي زيدان ... أمن الممكن أن نطرح سؤالا عن جدوى هذا العمل ؟ فثقافة السؤال ذاهبة نحو تأصيل الأصول، فمن دون الهوية الثقافية،كيف سيصير الأدب العربي ؟
      ثمة ظواهر أدبية ، في تاريخ الأدب العربي، تشي قدرة الشاعر الجاهلي على أن يكون مطبوعا بالشعر ، فهو لا يجيل فيه النظر ، بل يخرج ـ  أي الشعر ـ منساقا وراء سليقة لغوية موسيقية . تماشيا و السيرورة القرآنية، بما هي قطعت الصلة بالحياة الوثنية ، التي كان يعيشها الشاعر الجاهلي ، فالسدى النغمي الذي يخيط لحمة كلام الوحي، نابع من بلاغة أرقت البلاغيين . ومنه لا ضير أن نقول : إن الوحي تحدى موسيقية الأذن الجاهلية ؛ محققا إبدالا خطيرا في البناء الثقافي للإنسان العربي. فمقصدية الأدب أن تجعل الانسان في بؤرة الحياة ، بما هو يعيش مدها و جزرها.
     فالأدب سواء كان أمويا أو عباسيا أو أندلسيا أو حتى غربيا ، لن يفارق هذه الحياة التي اقتنع بها هذا الأديب أو تعلق بها هذا الشاعر. فعندما نعشق الحياة نذهب إلى الأدب . خطان متوازيان . ففي صلب الأدب توجد بذرة الحياة ، التي ينشدها الشاعر أو الأديب. ففي العصر الأموي ، مثلا ، تعلق عمر بن أبي ربيعة بالغزل ؛ فمن رحم هذا الأخير انبثق تشبثه بالحياة ؛ فانفتح شعره على خبايا و أسرار حياة المرأة الحجازية . أما العصر العباسي، يشكل أبو نواس فارسا للخمريات . و باعث التجديد في الشعر العربي. انفتح شعره على وصف الخمرة ، بما هي احتفاء بالمجون العربي ، و احتفاء بالرفض أيضا .
فأيان لنا أن نعيش من دون أدب؟
     أ يستطيع المرء أن يمر يوم واحد من حياته، دون حكي أو وصف أو حوار؟ فعند إيفور ريتشاردز الفيلسوف الانجليزي في كتابه  "معنى المعنى" يقول : إننا نحيا بالأدب . إن مساءلة الحداثة الشعرية الأوروبية، مثلا، تستوجب الإنصات والإيمان بالاختلاف ، حيث إنه من صميم الدور الذي يشغله الأدب حاليا . ففي كتاب " الأدب في خطر" لتزفتان تودوروف يوضح الكيفية التي يشتغل بها القائمون بالشأن الثقافي الغربي . و من ثم ينفتح الأدب ليس على المؤسسات الثقافية فحسب، بل على الإنتماءات العرقية للشاعر أو الأديب. و الهدف الأسمى ، من ذلك، هو توفير جو ثقافي حقيقي و منفتح على مختلف التيارات الثقافية و الفلسفية التي تجتاح أوروبا. فلولا لم يجد تودوروف الأرضية المناسبة للإبداع في فرنسا ، لما تمكن من أن يأخذ المكانة المتميزة ضمن خارطة الأدب العالمي اليوم. و بالتالي يؤسس لنظريته الجديدة في الأدب. إن المودة التي نشأت بين تودوروف وجيرار جونيت  ورولان بارت الشربورغوي سمحت باكتشاف الأدب الشكلاني ، والتعرف عليه كجزء من التراث الإنساني. بعيدون كل البعد عن أن تفرقهم الحزازات العرقية و المذهبية و اللغوية ، التي تخل بالأخلاق الأدبية . و من جانبهم قد استطاعوا أن يطوروا مناهج حديثة خاصة بدراسة هذا الأدب ـ أي الشكلاني ـ الذين تعرفوا عليه عن طريق تزفتان. فالأدب ، إذن ، يذيب الإحساس بالاختلاف، بما هو أرسى بؤرا حمئة عبر العالم اليوم.
   إن حب الأدب لا يكمن في ربط أواصر و جسورا بين ظواهر واقعية في الماضي والحاضر والمستقبل ، بقدر ما يشيد بهذا التعالق الذي يمنح إيصال أصوات المهمشين  والمنبوذين داخل المجتمعات الانسانية ؛ فلا فيء يحتضنهم سوى دوحة الأدب .     



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق