السبت، 18 فبراير 2017

بديعة وبدر و آخرون ...

                                 بديعة وبدر و آخرون ...
                                                                                    ذ. رشيد سكري
1.
   يزحف الخريف على الأرصفة و الأفاريز...
ناشرا سحابات قطنية على هامات البيوت الواطئة ، مصابيح غافية و مويجات تلفظ آخر أنفاسها على الشاطئ المغبش . على إيقاع  الغنج و الدلال ، قطعا معا المساءات الندية ، حتى وصلا جسر العبور الآمن .     
قالت بديعة : يسعفني الكلام ، عندما نحتفي بهذا الامتداد الازرق.
نظر إليها بدر، ماسحا رذاذا رُضابيا على جبينها كحُبيبات زُمردية ، تتخاطفها الألوان. وقال :
 أنت شاعرة بالدَّواخل ، لا تراجع و لا رجوع .اِحفظي القوافي...فالزمن الشعري آت ، كالطوفان ... يقتلع الأغراس و يقيم الأعراس.
قالت بديعة : الجدب كل الجدب ... عندما تحتد الريح ، لن أنظر إلى الوراء. هاهي الشمس ترسل الوداع مع آخر نورس نخره الانتظار... ويبتلعها الازرق الكتوم.
طاف حولها متلمسا بكلتا يديه  بطنها ، الذي يزداد انتفاخا يوما عن يوم . قال لها ، وهو يجلس القرفصاء :
ـ متى سيرى النور هذا الجهمي ؟
أجابته ، و هي تهز نظرها إليه من تحت رموشها  الفحماء : بالأمس كنت أنا و ميسان عند الطبيب ، أجرى لي كل الفحوصات اللازمة ، فبدا الجنين و المشيمة في صحة جيدة ، قاس الأطراف و النخاع و حجم الدماغ أيضا .
تبسمت بديعة فظهرت أسنانها مرصّعة  بيضاء كالبرَد ، وقالت :
ـ انتهى ، إلى حين ، التاريخ الدموي إذن ...
قاطعها بدر واضعا راحة يديه على فمها .وقال :
ـ لا تقولي ، إنك لا تعرفين جنسه ؟!
أطبق السكون على المكان ، إلا من هدير مويجات حالمة تلهو كطفل ، و ترغو فوق أحجار الفيروز  البيضاء و الأرجوانية . أخذت واحدا فأرسلته بعيدا في الزحمة بين الظل و الماء.
فسح لها الطريق ، فنزلت كسيدة الضوء نحو الشاطئ الباردةِ رماله.
قالت بديعة : قرأت ، في بعض المجلات المتخصصة ، حديثا عن سلوكيات الأجنة في الأرحام ؛ تأخذ الأنثى في الجهم المنحى العرضي، وتبدو منكمشة على نفسها في طقوس الولادة  محافظة على جسدها  الذهبي ؛ وتظل ملتصقة الساقين. بينما المخلوق الذكري يأخذ المنحى الطولي، ويثور رافضا هذه العتمة، التي تصفده و تكبله... ويشرع في الركل  والرفس ... يتذوق مرارة الحياة ، بما هي صراع في صراع ... وفي هذا ينشدان أسطورة العيش الأبدي .  
رفعت بديعة فستان اللِيكْرا الأحمر بقماشه الناعم  ، ذو عروة وحيدة جهة الظهر ؛ فكشفت عن ساقيها  وبطنها. تحسس بدر بأذنه كل مناحي جسدها العاري السبط الأملس، و قال:
ـ إنني أسمع غيثك غيثك الميمون أصواتا ، تناديني من أعماق جسدك الغوير... أصوات ترسل عبر أثير السوائل ؛ التي تسبح فيها الحياة.
أسدل بدر ستار قماش اللَِيكْرا على الجسد الفارع ، وأخذها بين ذراعيه ، فبدت كعصفورة ضمها الخريف.
2.
   تذكرت بديعة ما قالته أمي طاما ، عندما لفت بطنها بخيط الفتيل الأبيض، و بقياسات جدولة و تمتمات غريبة... تستطيع أن تكشف عن سر من أسرار طوق الرماد الداجي بين العَتْمة  والضوء ؛ أسرار الأجنة .
  وضعت أمي طاما على حبل غسيل جدولا ، ذا تربيعات متداخلة ، فبدأت تنط من فوقه بقلم الأبنوس المخضل بالحناء ، الذي يجلب السَّعد ؛ إلى أن توقفت قطيرات الحناء على تربيعة قصية ...
فتقرؤها...
قارئة التربيعات !
  رفعت بقعة الحناء في الضوء بين الارتواء و الإجتفاف. فظهر الجسد المرمري الممشوق،  يُدق فيه الانتفاخ رويدا... رويدا. وصاحت :
وجدتها ! وجدتها!   
  

            

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق