هل الأدب في خطر؟
ذ.
رشيد سكري
لمساءلة الأدب ، لابد أن نعود إلى التاريخ الأدبي ؛ حيث الحتمية التاريخية
هي التي تغلف الدرس الأدبي ، وتكشف عنه وعن أهم إبدالاته وجدواه . فالمناهج التي عولج بها الأدب لا تقوم لها
قائمة من دون التاريخ الأدبي . وسعيا لملامسة مدى أهمية المناهج الحديثة ،التي تناولت السيرورة الأدبية ، سنجد حنا
الفاخوري في كتابه " تاريخ الأدب العربي" ؛ العمل
الذي أغنى المكتبة العربية بثوابت و أصول معرفية حقيقية ، انطلاقا من العصر
الجاهلي ، فالأموي ، مرورا بالعباسي في الشرق، و إلى حدود عصر النهضة مع البارودي
و جرجي زيدان ... أمن الممكن أن نطرح سؤالا عن جدوى هذا العمل ؟
فثقافة السؤال ذاهبة نحو تأصيل الأصول، فمن دون الهوية الثقافية،كيف سيصير الأدب
العربي ؟
ثمة ظواهر
أدبية ، في تاريخ الأدب العربي، تشي قدرة الشاعر الجاهلي على أن يكون مطبوعا
بالشعر ، فهو لا يجيل فيه النظر ، بل يخرج ـ أي الشعر ـ منساقا وراء سليقة لغوية موسيقية .
تماشيا و السيرورة القرآنية، بما هي قطعت الصلة بالحياة الوثنية ، التي كان يعيشها
الشاعر الجاهلي ، فالسدى النغمي الذي يخيط لحمة كلام الوحي، نابع من بلاغة أرقت
البلاغيين . ومنه لا ضير أن نقول : إن الوحي تحدى موسيقية الأذن الجاهلية ؛ محققا
إبدالا خطيرا في البناء الثقافي للإنسان العربي. فمقصدية الأدب أن تجعل الانسان في
بؤرة الحياة ، بما هو يعيش مدها و جزرها.
فالأدب سواء كان أمويا أو عباسيا أو أندلسيا أو
حتى غربيا ، لن يفارق هذه الحياة التي اقتنع بها هذا الأديب أو تعلق بها هذا
الشاعر. فعندما نعشق الحياة نذهب إلى الأدب . خطان متوازيان . ففي صلب الأدب توجد
بذرة الحياة ، التي ينشدها الشاعر أو الأديب. ففي العصر الأموي ، مثلا ، تعلق عمر
بن أبي ربيعة بالغزل ؛ فمن رحم هذا الأخير انبثق تشبثه بالحياة ؛ فانفتح شعره
على خبايا و أسرار حياة المرأة الحجازية . أما العصر العباسي، يشكل أبو نواس
فارسا للخمريات . و باعث التجديد في الشعر العربي. انفتح شعره على وصف الخمرة ،
بما هي احتفاء بالمجون العربي ، و احتفاء بالرفض أيضا .
فأيان
لنا أن نعيش من دون أدب؟
أ
يستطيع المرء أن يمر
يوم واحد من حياته، دون حكي أو وصف أو حوار؟ فعند إيفور ريتشاردز الفيلسوف الانجليزي في كتابه "معنى المعنى" يقول :
إننا نحيا بالأدب . إن مساءلة الحداثة الشعرية الأوروبية، مثلا، تستوجب الإنصات والإيمان
بالاختلاف ، حيث إنه من صميم الدور الذي يشغله الأدب حاليا . ففي كتاب "
الأدب في خطر" لتزفتان تودوروف يوضح الكيفية التي يشتغل
بها القائمون بالشأن الثقافي الغربي . و من ثم ينفتح الأدب ليس على المؤسسات
الثقافية فحسب، بل على الإنتماءات العرقية للشاعر أو الأديب. و الهدف الأسمى ، من
ذلك، هو توفير جو ثقافي حقيقي و منفتح على مختلف التيارات الثقافية و الفلسفية
التي تجتاح أوروبا. فلولا لم يجد تودوروف الأرضية المناسبة للإبداع في
فرنسا ، لما تمكن من أن يأخذ المكانة المتميزة ضمن خارطة الأدب العالمي اليوم. و
بالتالي يؤسس لنظريته الجديدة في الأدب. إن المودة التي نشأت بين تودوروف وجيرار
جونيت ورولان بارت الشربورغوي
سمحت باكتشاف الأدب الشكلاني ، والتعرف عليه كجزء من التراث الإنساني. بعيدون كل
البعد عن أن تفرقهم الحزازات العرقية و المذهبية و اللغوية ، التي تخل بالأخلاق الأدبية
. و من جانبهم قد استطاعوا أن يطوروا مناهج حديثة خاصة بدراسة هذا الأدب ـ أي
الشكلاني ـ الذين تعرفوا عليه عن طريق تزفتان. فالأدب ، إذن ، يذيب الإحساس
بالاختلاف، بما هو أرسى بؤرا حمئة عبر العالم اليوم.
إن حب الأدب
لا يكمن في ربط أواصر و جسورا بين ظواهر واقعية في الماضي والحاضر والمستقبل ، بقدر
ما يشيد بهذا التعالق الذي يمنح إيصال أصوات المهمشين والمنبوذين داخل المجتمعات الانسانية ؛ فلا فيء
يحتضنهم سوى دوحة الأدب .